الاثنين، يوليو 02، 2012

سيمفونية حب





أوصدت الشمس نوافذها، فهرولت الغيوم لتتعانق وتهدي وصالها، وخرالمطر ساجدا على الأرض التي استقبلته بقصيدة حب ، تناغمت أبياتها في نسيج ممزوج بدهاليز الطبيعة الحائرة بين سكون وجنون وصخب




خلف زجاج نافذة غرفتها وبنظرات حائرة وقفت تتأمل تلك الأكوام البشرية التي تجري لتبحث عن مكان يحميها، والسيارات المتدافعة التي تتحسس طريقها في حذر، فجأة زمجرت السماء وأضاء البرق الخاطف عتمة المكان، فانتفضت كعصفور بلله المطر، وسرت في جسدها رعشة أجبرتها على أن تلتف بشالها الصوفي السميك، وبفرحة طفولية فتحت زجاج النافذة فقبلتها نسمات الهواء الباردة، وأغرتها على أن تمد يدها بالسلام لزخات المطر، تزاحمت الأفكار لتدق رأسها بالهاجس الذي انقض عليها منذ الأمس وأوقعها في دوامة من الحيرة والتفكير.



لم تعتقد يوماً أنها ستقع أسيرة لحب ذلك الشاب الذي رأته بالأمس فقط كزميل جديد في القسم الذي تعمل به، وهي الفتاة الناضجة العاقلة التي كانت تعتبر الوقوع في الحب أمراً من التفاهات، بل إنها لا تؤمن بتلك المقولة التي يرددونها دائما «الحب من أول نظرة»، وكثيرا كانت تعارض زميلاتها في العمل عندما يتناقشن في هذا الموضوع، مؤمنة بأن للحب مفاوضات ومباحثات يجب أن تتنامى بين الطرفين حتى يستطيعا أن يصلا إلى معاهدة أبدية.



هزت رأسها بعنف كمن أرادت أن تلقي بشيء عشعش بطريق الخطأ فيها قائلة: بالطبع هذا انطباع خادع، فالشكل والمظهر والصورة الجميلة جميعا لا تشكل مقياسا حقيقيا يدلل على شخصية الإنسان، وغالبا ما يكون الإعجاب القائم على الشكل فقط دون معرفة حقيقية للجوهر مصيره التلاشي والذبول.


همست لنفسها متسائلة هل يمكن أن يكون لقاؤها المفاجئ به بداية لإنبات بذرة الهوى في داخلها؟ وهل تكفي نظراته الحالمة التي رمقها بها، لأن تصبح سببا كافيا لانشغالها به على مدى يومين متتاليين؟



شبّكت أصابع يديها وهي تحركهما يمنة ويسرة حتى صدرت منهما أصوات كالطرقعة، انتبهت لما تفعل بيديها، ففلتت منها ضحكة ساخرة عما بدر منها، أطالت النظر إلى السماء مستمتعة بهطول المطر، وبنشوة لم تحسها من قبل اجتاحتها شحنة من الانفعالات والأحاسيس، أعقبتها موجة من القلق والغموض، وتضاربت الأسئلة في رأسها: هل تعلق بي هو الآخر؟



هل يجتاحه هذا الجنون الذي أشعر به الآن ؟هل أجهده التفكير طوال اليومين الفائتين ؟، أسئلة لا تجد لها إجابة واضحة، إلا أنها تمنت أن تكون الإجابات (نعم).


عادت ثانية لتجلس على المقعد نفسه تأخذها عاصفة الأفكار وتعود بها من دون حل لتلك المشكلة التي أوقعت نفسها بها دون قصد، جلست تهز ساقها اليمنى بعنف وكأنها تعاني اضطرابا عصبيا.



اتجهت إلى المطبخ لتصنع لنفسها كوبا من الشاي، سألت والديها اللذين جلسا أمام التلفاز، رحب الوالدان بالشاي الساخن في هذا اليوم البارد، وفي المطبخ وقفت تعد بنفسها الشاي ورفضت مساعدة الشغالة،وسألتها مداعبة هل تؤمنين بالحب من أول نظرة ياوردة؟


فهزت الخادمة رأسها بإبتسامة خجول قائلة (نعم)، فحملت هي الصينية بأكواب الشاي وذهبت مرة ثانية لتجلس مع والديها.



فجأة رن جرس هاتفها النقال، تركته بإهمال متعمد، فمن عساه أن يحادثها الآن فلا مزاج لها لثرثرة الزميلات وأحاديثهن عن السوق والتنزيلات، هدأ الهاتف، ثم عاود رنينه مرة ثانية، ودون أن ترى رقم المتصل ردت بزهق، تبدلت ملامح وجهها وهي تضع الهاتف على أذنها تستمع فقط، سألتها والدتها عما إذا كان هناك أمر مؤسف، نظرت لوالدتها بذهول، تلعثمت في الرد عندما طلب منها المتحدث الإجابة على سؤاله؟ تركهما الوالد فعاودت الأم السؤال عما يجري، فقالت إن زميلها الذي التحق بالقسم أمس، يأمل لقاء والدها لطلب يدها.


إيمان قنديل


منشورة في جريدة مصر 11

هناك تعليق واحد:

nady يقول...

قصة قصيرة رائعة
وصف ماتع وبديع لمشلهد نفس تتحرك وحب ينمو
تنتهى بتعاظم الاحداث لياتى الحدث الاقوى بالنهاية
سلمت يداك استاذة ايمان