الأربعاء، يونيو 13، 2012

هزيمة إمرأة


مر عام على لقائهما سويا، ومازالت تعيش على هوامش قصه الحب التي ربطت بينهما لسنوات طويلة، رغبه منها أن يتواجد في حياتها بقوة رغم تأكدها أن تمسكها به ضربا من الحماقة والسذاجة، فبعد أن أحبته بتطرف ترفض أيضا أن يتركها بتطرف، وتأبى أن تترك له خشبه المسرح حتى بعد إغلاق الستار وتيقنها من موت البطل.

مجددا تعمدت أن تراه بعد طول غياب، لتثبت لنفسها بأنها استطاعت أن تبرأ منه، وأنها لا تهتم كثيرا بحضوره بل ولم تعد تهواه كما كانت من قبل.
فمؤخرا أجهز عليها الانهيار النفسي فازدادت حدة وعصبية وتداخلت في عقلها الأحداث فتطايرت منها الحقائق وتمكنت منها الأوهام.

قبل أن تأتي إليه ابتلعت قرصين من المهدئ، حتى يراها هادئة متماسكة، وكي تبدو له غير مبالية لما حدث بينهما من انهيار عنيف لعلاقتهما العاطفية.


أمعنت النظر في ملامحه وكأنها تراه لأول مرة، وبقسوة متعمدة حاولت إسكات ضربات قلبها الموجوع، ووعدت نفسها بأن تتجاهل عينيه مهما اشتد الحنين إليه.


خلسة استرقت النظر إلى عينيه ثانية، رأتها كما كانت تبدو لها دائما جب من الأسرار لا يستطيع أحد اختراقه أو المجازفة بالإبحار فيه، فحتما سيعود من حاول المغامرة خائبا بخفي حنين، وقبل أن يجرفها الحنين إليه ارتفع صوتها كرجل يمازح صديقه لقد امتلأ شاربك بالشعر الأبيض، سعل قليلا وركن مبسم نرجيلته جانبا وأجابها ضاحكا بالفعل لقد كبرت حقا.


سرت رجفة بأوصالها وتعالت صيحات قلبها ووقع صوتها على الأرض وهي تذكره بأنها لم تأت إليه محاولة منها لرد القضاء، ولكن ما بينهما كان حبا كبيرا وعميقا، ومن الصعب اغتياله بتلك الصورة الأليمة، فهي لا تستطيع تبديل مشاعرها كالثياب الجميلة، ولا تستطيع أن تتحكم في حبها بالريموت كنترول، فجذوره ضاربة في أعماق قلبها وممتدة لجميع أنحاء جسدها.

وقبل أن يعصف بها الاشتياق، ارتفع صوتها بطريقة هستيرية، وهي تخبره أنها تعرفت على رجل آخر يحبها ويرغب في الارتباط بها.
ببرودة الثلج قابل كلامها، واستمر يدخن نرجيلته، ثم سألها بإهمال لم تعتده من قبل، من يكون هذا الرجل؟ فقصت له بعض المعلومات البسيطة، فاعتدل في جلسته ممسكا بمبسم نرجيلته وكأنه أحد سلاطين الدولة العثمانية منتشيا في صورة تذكارية وضعت على حوائط القصور، وبعجرفته المعتادة وغرور لا متناهٍ وكأنها مازالت في قبضة يده، أخبرها بأنها لن تستطيع أن تحب رجلا غيره، ولا يوجد في هذا الكون رجل يحل محله.


نظرت إلى عينيه المجهدتين وكتمت بإلحاح صوتها، فلم يسمعها بل سمعت هي نفسها وهي تخاطبه أن يدخلها في معطفه أن يمنحها الدفء والأمان، فلم تتب يوما عن عشقه، وعادت بذاكرتها إلى سنوات طويلة مضت عندما كانا في نزهة سويا بعد خطبتهما معا، قالت له أحبك ولا أستطيع الاستغناء عنك، ولا أتخيل حياتي بدونك، حتى إذا تغيرت مشاعرنا.

علينا أن نظل أصدقاء مدى الحياة، حتى أذا أحببت امرأة غيري، أو أحببت أنا رجلا غيرك سآتي أليك أقص عليك حكايتي معه.
فأمسك بمبسم نرجيلته وأخذ نفسا عميقا كركرت معه المياه، وبهدوء شديد أطلق الدخان من فمه وبعثره في أرجاء المكان، وبابتسامه ذات مغزى قال لها (طبعا أكيد تعالي احكي لي وأنا اقطع لك رقبتك، وقتها ضحكا من قلبهما سويا، لكن اليوم يبدو الأمر مختلفا عما سبق فقد قابل حديثها بقرف، فلم يهدد بقتلها أو قطع رقبتها، بل ربما كان يهمس في داخله (اذهبي إلى الجحيم).

.
كرهت ضعفها الدائم في حضوره، والذي يحولها إلى قطة مستكينة تنام تحت قدميه، تمنت لو لم تأخذ تلك المهدئات اللعينة التي تسلبها إرادتها، حتى تنشب مخالبها في وجهه لتسيل منه الدماء، وفي غفلة منها انسابت دموعها، وقبل أن ترحل قبلت يده وصارحته بأنها تخشى المستقبل بدونه، تكاد تموت رعبا عندما ترى نفسها وقد تجاوبت بالفعل مع هذا الرجل الذي ظهر في حياتها وتحقق له رغبته في الزواج منها، لعلها تجد فيه ما يعوضها عن هجرانه لها، بل وتكاد تفقد عقلها عندما ترى مستقبلها وتبحث عنه فلا تجده.


أخذت ترجوه أن يساعدها في أن تكون لها إرادة في تركه، ففي علاقته بها ربح عشرات الجولات، وهزمها مئات المرات، وعليه أن يتركها تنتصر عليه ولو كذبا ولو لمرة واحدة.


تركته بعد أن أغرقها بصقيع مشاعره، ووعدها بأن يكون معها، ولكن عندما يسمح له وقته، وبشرط أن يكون الموضوع الذي ترغب في محادثته فيه مقنعا له وليس مضيعة لوقته، وبدون أن تدري ذهبت مباشرة إلى مكتب الرجل الذي سعى إليها مؤخرا يعلن عليها حبه.


وقررت أن تستجيب له لعلها تنسي ذلك الحبيب وجحوده، لم يصدق ذلك الرجل نفسه عندما وجدها أمامه، وهلل مرحبا بوجودها في سعادة بالغة، وبقلب موجوع أخبرته إنها وافقت على طلبه بالزواج منها، وبينما كان يقفز قلبه من الفرح والسرور شعرت هي بالدوار، وهرولت مسرعة إلى الحمام لتفرغ ما في جوفها، تبعها هو ووقف بجوارها، وقلل من شأن ما حدث، اصطحبها إلى الأريكة، وطلب منها الاسترخاء قليلا، واستأذنها ليحضر لها كوبا من النعناع الدافئ.


ثوانٍ معدودة، وبسرعة البرق لملمت نفسها وأمسكت بحقيبة يدها وحضنت هزيمتها في قلبها، وسابقت الرياح في الخروج من مكتبه ولم تنتظر المصعد بل قفزت هاربة على سلالم العمارة.

منشور في جريدة مصر 11

هناك تعليق واحد:

يا مراكبي يقول...

كنت أتوقع تلك النهاية

هي ليست هزيمة امرأة بقدر ما هو انتصار للحُب، وما أدراكِ مفدار قونه وجبروته