الأربعاء، يوليو 11، 2012

هبوط إضطراري


كانت تتابع بشغف الطائرات المحلقة في السماء وتحلم أن تكون من هؤلاء الركاب الذين يطيرون فوق السحاب،وتحققت الأمنية عندما تزوجت وسافرت مع زوجها لقضاء شهر العسل في بلد أوربي، يومها شعرت ببعض الارتباك خففه عنها زوجها الذي علمها كيف تربط حزام الأمان وتشده على خصرها، وكيف تجعل المقعد في وضع قائم في حالة الصعود والهبوط؟، وكيف تنتبه لتعليمات السلامة؟


وتكررت سفراتها فيما بعد، وأصبح للترحال بالطائرة متعة خاصة جدا خاصة على مقعد النافذة الذي يمكنها من مشاهدة صعود وهبوط الطائرة، ورؤية معالم المدن التي تزورها من أعلى،ولم تشغلها يوماحوادث الطائرات التي تراها من حين إلى آخر على شاشات التلفاز،وتعتبر كل ما يحدث قضاء وقدرا لا حيلة للبشر فيه.


مؤخرا أنتابتها أحاسيس مختلطة بين الخوف والقلق والتردد بسبب السفر في الجو، بل وتركت نفسها فريسة سهلة لاكتئاب مؤذ يداهمها كلما قررت السفر بالطائرة ،حاولت أن تفهم معنى التغير الذي حدث لها وفكرت مليا في الأسباب التي تجعلها تصل إلى مرحلة التشاؤم والهلع من ركوب الطائرات .

وبررت لنفسها ذلك بعدة أسباب ربما كان خوفها من أن تلقي حتفها في الجو أن تترك أولادها دون أم ترعاهم وتأخذ بيدهم حتى يستطيعوا مواجهة الحياة،أو ربما أنه كلما تقدم بها العمر كلما ازدادت تشبثاً بالحياة،أو لأنها لا تريد أن تنتهي حياتها بقصة تشبه أفلام الأكشن الأميركية، أو بقصة درامية تتناقلها وكالات الأنباء وصفحات الجرائد والفضائيات.

واليوم سافرت بصحبة زميلتها في مهمة رسمية،ورغم أن سفرها مع أحد تعرفه يهون عليها الوقت لأنها غالبا تقضيه في الثرثرة وسرد الحكايات مع الطرف الآخر منذ وقت إقلاع الطائرة حتى هبوطها بسلام، إلا أنها لم تكن ترتاح لتلك السفرة،وهاجمها شعور غريب بأن شيئاً مؤسفا سيحدث، وأثناء الاقلاع قرأت دعاء السفر أكثر من مرة،وظلت تنظر بقلق لعلامات ربط الأحزمة، وبعد الإنتهاء من تناول الغداء فجأة انطلقت الصفارة التي تشير إلى ربط الأحزمة بشكل هيستيري، ثم أعلن المذياع الداخلي عن ضرورة ربط الأحزمة لأن الطائرة تهبط،وعلى جميع الركاب البقاء في مقاعدهم وإبقاءها قائمة، وهرع المضيفون والمضيفات بشكل يبعث على القلق لأخذ أماكنهم جلوسا على مقاعدهم،وتبادل المسافرون النظرات الحائرة والتساؤلات المحمومه عما يحدث،لعلهم يجدوا في الحديث سويا مايطمئنهم.

ولكن هيهات فقد أصيب الجميع بالوجوم وبدأت تنظر من النافذة فوجدت الطائرة تهبط إلى الأسفل بشكل واضح، تملكها الرعب،تحدثت مع نفسها بصوت مسموع (أتاك الموت يا تارك الصلاة)، وبدأت في ترديد بعض الأدعية خاصة دعاء سيدنا يونس في بطن الحوت (لا إله ألا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، وضجت الطائرة بالإهتزازات والمطبات الهوائية وكأنها سيارة تسير في شارع غير ممهد ومليء بالحفر والصخور.

نظرت إلى زميلتها فوجدتها غارقة في النوم وكانت قبل ذلك بدقائق تؤكد لها أنها لا تستطيع النوم أثناء سفرها بالطائرة حتى لو كانت متعبة،بل وتظل مستيقظة حتى تهبط الطائرة إلى أرض المطار، فتابعت بإصرار الإكثار من الدعاء (الله أكبر وسبحان الله)،ووجدت أن الأمر يزداد سوءاً، فنبهت زميلتها لتشاركها ما يحدث، وأخبرتها أنهم أعلنوا عن هبوط للطائرة.

فسألتها زميلتها ببرود: هل تعرفين كيفية استخدام (سترة النجاة الموجودة أسفل المقعد؟)، أجابتها بالنفي وردت عليها ساخرة (لم يحدث واستعملته من قبل)، فردت زميلتها (تلك مشكلة حقيقية، فمن المفروض أن ننتبه للتعليمات فيما بعد)، وشعرت بالضيق من الإستخفاف الذي بدت عليه تلك الزميلة فردت عليها بعصبية:هذا إذا نجونا من تلك المرة.

وسط هذا الجو المرعب أخرجت أمسكت زميلتها بحقيبة يدها وأخرجت منها المرأة وقلم أحمر الشفاة وبدأت تضغط به على شفتيها،نظرت اليها وبلهجة عصبية سألتها عما تفعل وهل هذا وقتا مناسبا؟،فضحكت زميلتها بصوت مسموع وردت عليها ببرود قائلة( يعني أموت وأنا شكلي وحش؟)ثم تابعت وضع باقي المساحيق.


وظلت الطائرة تتأرجح يمنة ويسرة،تهبط وتعود إلى الإرتفاع ثانية، وبعد حوالي نصف ساعة من القلق والإضطراب أعلن المضيف عن ضرورة الإبقاء على ربط الأحزمة وبقاء المقاعد في وضع قائم لأن الطائرة تقترب من المطار، فارتفعت أصوات الركاب بالشكر لله سبحانه وتعالى.وبدأت الطائرة في الهبوط التدريجي إلى أرض المطار،ونظرت إلى المدينة من أعلى وشاهدت المباني والشوارع وقد اقتربت منها، وكلما هم الطيار في الهبوط صعد ثانية.

وهكذا لمدة تجاوزت الوقت الذي كان من المفترض أن تهبط فيه الطائرة، وكلما فرح الركاب باقتراب الطائرة من أرض المطار ضاع سرورهم ثانية لعدم حدوث ما يتمنونه، وارتفعت دقات قلبها وألجمها الخوف وأخذت تردد الشهادتين، وتكثر من الإستغفار.وتطلب من الله عز وجل أن تمر تلك الرحلة على خير. وأخيرا هبطت الطائرة، وامتلأت الوجوه بالسعادة، ونظرت من النافذة ولاحظت إنتشار أعداد كبيرة من سيارات الإسعاف في أرض المطار يصاحبها حركة غير إعتيادية من موظفي أمن المطار ورجال الشرطه، عندها عرفت أن الطائرة كانت تعاني من عطل، وقد أنقذتها العناية الإلهية.


إيمان قنديل

منشور في جريدة مصر 11


هناك 7 تعليقات:

الازهرى يقول...

أول مرة ىموضوع الطيرانكان كارثة حقيقية
يمكن اكتب عنه مرة

فى حياتنا لحظات كثير نتوقف أمامها
ولحظات أخرى لا نجد مناصا من أن تترك
فى داخلنا علامات غائرة


تحياتى دوما

harmless يقول...

اجمل ما فى كتاباتك انها تنقل القارئ لحاله تعايش كامله مع الاحداث
موهبه جميله

إيمان قنديل يقول...

الأزهري/صديقي القديم في التدوين أشكر أهتمامك الدائم بما أكتبه/مرورك يسعدني كثرا

إيمان قنديل يقول...

الأزهري/صديقي القديم في التدوين أشكر أهتمامك الدائم بما أكتبه/مرورك يسعدني كثرا

إيمان قنديل يقول...

HARMLESS
شهادة أعتز بها من كاتب متميز وصديق رائع

يا مراكبي يقول...

أنا من كثرة أسفاري اتعرضت لمواقف كتيرة في الطيارات والمطارات، لكن ربنا هو اللي بيسترها كل مرة

أخوكي تقريبا عايش على طيارة :-)

إيمان قنديل يقول...

يامراكبي

ربنا يحميك ويحفظك من كل شر