الخميس، يناير 12، 2017

الرجل الطشت


ظهر لها فجأة خلال صندوق الرسائل الخاصة في الفيس بوك، ليذكرها بحبها الأول الذي فقدته بإرادتها وتخلت عنه عندما التحقت بالجامعة، وقتها لم تشعر بضيق أو تأنيب للضمير،خاصة إن ماكان بينهما هو حب المراهقة الذي لم يتجاوز رسالة خطية يبث فيها شوقه وهيامه ورغبته في الإرتباط بها، وإختلاس بعض النظرات المسروقة من خلف زجاج النافذة.
قذفت بالذاكرة إلى أكثر 40 عاما مضت،أيام المدرسة ومرحلة المراهقة،ومشاعرها البكر التي إتجهت لإبن الجيران لتذوق حلاوة الحب،ذلك الفتى المتفوق في دراسته والذي إلتحق بكلية الفنية العسكرية،والذي كانت تنتظره بلهفة يوم الخميس من كل إسبوع،لتراه مرتديا بذلته العسكرية التي زادته في عينيها وسامة وجمالا.
مرت سنوات طويلة بينهما بدأت في المرحلة الإعدادية وإنتهت عندما حصلت هي على الثانوية العامة وإنتقلت مع أسرتها إلى حي آخر غير الذي يقطنه الحبيب.
وفي الجامعة تعرفت على عوالم مختلفة فلم يعد يروق لها هذا الحبيب الذي يذكرها بأفلام السينما الصامته، وقررت أن تتحرر من هذا الحب البارد، حتى وبعد أن آتت والدته لطلب يدها،فقد قررت إن هذا الشاب الذي غمرها بصقيع مشاعرة والذي لم يسع يوما لمقابلتها أوللحديث معها مباشرة لايصلح لها .
وظن الحبيب الأول والذي أصبح ضابطا مهندسا فيما بعد، أن فتاته تنتظرة وسيتزوج بها بعد تخرجها من الجامعة وإن حبه الصامت الذي لم يتطور بعد كاف للإحتفاظ بها سنوات طويلة.
نسيته وتزوجت بعد قصة حب عاشتها أثناء دراستها الجامعية،وطارت مع زوجها إلى إحدى الدول الخليجية وطالت غربتها،ثم عادت بعد أن أغوت إمرأة آخرى زوجها،فشعرت بصدمة في حب عمرها وعشرتها معه.
ومع ظهور حبها الأول مجددا،أقنعت نفسها بإنها أخطأت عندما تخلت عنه وهجرته، وإن حياتها ربما كانت أفضل كثيرا إذا وافقت على الإرتباط به،وبدأ قلبها ينبض إشتياقا لذكريات حب الطفولة،يغلبها الحنين للحي الذي كانت تقطن فيه ولبيتها الذي ضمها وأخوانها مع أبويها،شوق عارم يجتاح كل زواياها لإستعادة سنوات بعيدة مضت.
وبدأ هو يدق باب قلبها بعنف وهو يقص عليها حكاية إعجابه بها الذي تحول إلى تعلق وعشق جعله يقف على الأبواب أكثر من مره ،ورغم إصرارها على الرفض إلا إنه لم يستطع نسيانها أبدا،وظل حبه حبيس صدره وهو يمني نفسه إنه حتما سيلتقي بها يوما.
طلب منها أن تحقق له حلمه القديم في أن تصبح زوجته،لم تفكر في الموضوع كثيرا وأعلنت موافقتها،بعد أن أقنعت نفسها أن الله أرسله لها في الوقت المناسب،وأن تواجده القادم في حياتها هو لعبة القدر الذي فرق بينهما في الماضي،بعدها أصبح الحب باهتا خافتا وتوارى ثم أختفى ولكنها أبدا لم تنسى حب المراهقة،و ها هو يشعل ثنايا القلب من جديد .
وتوالت لقاءتهما الهاتفيه،ومعها تأججت بقوة الرغبة في الإرتباط ومواصلة مشوار الحياة سويا، وتهيأت ليوم اللقاء.
حدثها بالموبيل وأخبرها إنه بالخارج ومعه أشياء كثيرة وليتها تخبر الحارس بأن يذهب ليحمل معه،وبالفعل حدث ما أراد وأمتلأ المطبخ بأكياس بدأت تفتش فيها فوجدتها أكياس من الطماطم والبرتقال والبطاطس والفراولة وعلبة تورته أخبرها إنها من أشهر المحلات فتعجبت إنها لم تسمع عن إسم هذا الحلواني من قبل.
بدأ يبثها شوقة وغرامه وهيامة ولهفتة بسنوات عمره التي مضت دونها،وكيف إنه ظل يبحث عنها في كل مكان ويحاول التلصص على أخبارها، وذهب لأخيها الأكبر أكثر من مره ولكنه شعر بالخجل أن يسأل عنها.
وتركها وعاد إلى المدينة التي يعيش فيها، وظلا على تواصل عن طريق هاتف عمله في الصباح،وشات الفيس بوك في المساء،وأخبرها إنه قادم اليها في نهاية الأسبوع لإنه يشعر بشوق كبير لها،وأبدى رغبته في أن يأكل طعام الغداء من يد حبيبته وزوجته المستقبلية.
وقبل اليوم الموعود أتفقت مع سيدة تطهو الطعام،وطلبت منها أنواعا متعددة لسفرة تليق بزوج المستقبل،ورفضت أن تقف في المطبخ وتنفق وقتها في إعداد الطعام حتى تهيء نفسها وتتزين لإستقباله.
وآتى حاملا معه نفس زيارة الأسبوع الماضي،مزيد من الطماطم التي إمتلأ بها الفريزر،وبرتقال وفراولة،وموز وبطاطس،ولكنه لم يأت بتورته تلك المرة.
طرق الدليفري الباب ومنحته المال الذي طلبة ولكنه أخبرها إن ليس لديه فكة لبقية المبلغ، فسألت الزوج المستقبلي عن المبلغ،فأخبرها إنه لايملك الا 200 جنية مجمدة.
وأكل الحبيب الأول حتى الثماله،وذهب بعد أن أتفقا على يوم الزواج،وتواصلا ثانية عن طريق هاتف العمل وشات الفيس بوك.
ثم آتي مرة ثالثة،وكان اليوم التالي لذكرى عيد ميلادها، وفي هذا اليوم لم يأت لها بهدية خاصة، ولا تورته،ولكنه آتي بالطماطم التي ضاقت بها الثلاجة،فأخبرته إنها ليست بحاجه إلى هذا الكم من الطماطم والفراوله، فأخبرها إنه يمكن أن يقوم بطهيها ويحول الفراولة إلأى مربي، والطماطم إلى صلصة،فأحضرت له طشتا ليسع هذا الكم من الطماطم والتي كان سعرها في هذا الوقت جنيها ونصف.
ولا تدري لماذا شعرت بأن هناك علاقة قوية بينه وبين الطشت الذي وضعت فيه الفراوله الذي وقف لطهيها وتعبئتها في أواني زجاجية، ورغم ذلك منحتها وكل ما احضره من خضروات للبواب.
ثم بدأت تنفر منه،كيف لرجل إقترب من سن الستين يتواصل معها كالمراهقين، وبطريقة لا تكلفه أية أموال فهاتف العمل مجاني والشات مجاني،وبدأت تضعه في إختبارات بعد أن شكت في سلوكه ، فأكتشفت إنه بخيل لدرجة قاتله،وإنه الجنية يخرج من جيبة بخطة خمسية،وإنه لا يفقه في الذوق ولا البروتوكول،وإنه يرغب في العيش على حسابها، فلديها بيت وعندها دخل مادي لابأس به،ولكنها صبرت لعل مخاوفها تكون خاطئة.
ومرة أخرى أتي اليها وعندما قررا الخروج طالبها بأن يخرجا سويا بسيارتها وتحجج بإن سيارته آتت من مشوار بعيد، ولابد أن ترتاح، والحقيقة التي فهمتها فيما بعد إنه يرغب في توفير ثمن البنزين ويحافظ على سيارته من الإستهلاك.
أراد أن يعيش عالة عليها، فأبتعدت عنه بهدوء،ولكنه حاول إعادتها إليه وتحدث مع صديقتها والتي أخبرتها بكل مادار صراحة،وقالت إنه قال عنها إنها أصبحت مادية،وإنها آتت بأموالها من الخليج ولا تعرف كيف يتعب الناس في مصر حتى يكونون أنفسهم ويكون لديهم المال.
فواجهته بم قال،وأخبرته إنه ليس بخيلا فقط ولكنه ينظر اليها بعين القر والحسد وإن ما أتت به من الخليج كان بتعب وكفاح ومرارة غربة وإغتراب ومشاحنات يومية بين زملاء من جنسيات متعددة يكيلون لبعض المقالب وإختلاق الأكاذيب من أجل إنهاء الخدمات من العمل.
ورغم إنكاره لكنها شعرت بالنفور تجاهه،فهو يمتلك أرض زراعيه ويبني لأولادة عمارة مكونة من 4 أدوار بإسم زوجته، ولديه معاش من عمله السابق وراتب من عمله الحالي،وجميع أولاده تخرجوا من الجامعات ويعملون ولديهم رواتب،فلم يعد لدية أي التزمات مادية.
تحدث معها محاولا الإيقاع بينها وبين صديقتها، فقالت له من حقي كزوجة أن تنفق علي،فأنا أرفض أن يعيش زوجي عالة علي،وكانت تضحك وهي تخبره إنها كرهت الطماطم التي أمطرها بها،فقاطعها قائلا(ما أنا جبت لك تورته قبل كده).
قالت له إذا كنت من الطراز القديم للرجال،كان عليك أن تحضر لي الفراخ والبط واللحمة لأملأ بيهم الفريزر بدلا من الطماطم.
ولا أعلم كيف لرجل في سنك يتواصل معي من خلال هاتف العمل والشات المجاني ،خوفا من إنفاق جنية واحد يزيد على ميزانيتك المدروسة بدقة.
طالبها بالصبر قليلا حتى ينتهي من بناء الدور الربع في عمارته وعندها ستتحسن الأحوال.
قامت بعمل بلوك له على الفيس بوك وعلى الواتس اب وجميع وسائل الإتصال المجانية، وكلما تذكرته شاهدته أمامها كطشت يمتلأ بالطماطم،و شعرت بالغثيان من هذا المقلب الذي نجاها الله منه من قبل.
بقلم إيمان قنديل
منشورة في موقع مصر 11

ليست هناك تعليقات: