الجمعة، سبتمبر 28، 2012

كوني إمرأة




جلس مشدوها يتابع زميلته في العمل،ولم يستطع أخفاء أعجابه بجمالها وأناقتها وعبر عن ذلك بكلمات غزل صريحة، نبهته معاتبة بإنها لم تعتد منه هذا السلوك  من قبل، فهو مثال للزميل المهذب الذي تعتز به، ولم يحدث خلال ست سنوات أمضياها سويا في نفس المكتب أنه لاحقها بنظراته الجريئة كما يحدث الأن.


سألته : لماذا تتابعني بعيونك هكذا؟، أرتبك وشعر بالحرج وأعتذر لها على الفور وعلل ماحدث بأنه سرح قليلا ولم يكن يقصد إطالة النظر اليها،فصمتت الزميله وواصلت عملها وأخذت تنقر على الكي بورد وكأن شيئا لم يحدث.

أمسك بمجلة في يدة وأخذ يقلب صفحاتها، وهو يتابع بشغف صور الفنانات وعارضات الأزياء، ثم أخذ نفسا عميقا وأصدر همهمات وكأنه يتحسر على شيء ما أصابه مؤخرا.
.

أنتبه على صوت زميلة أخري أتت اليهم من المكتب المجاور، وسألته :هل أنجزت البحث الذي كلفك به المدير بالأمس؟ فنظر اليها  شاردا وكأنه لم يسمعها قط ، فكررت نفس سؤالها مرة أخرى،ولكنه ظل صامتا لايجيب.


ثم فاجأها بالسؤال عن نوع العطر الذي تتطيب به؟، فذكرت له الأسم، وكررت سؤالها للمرة الثالثة عندها أجابها بالنفي، فذكرت له أن المدير سألها أكثر عن هذا البحث تحديدا إلا أنها لم تستطع أن تمنحه إجابة واضحه بسبب تأخيره في إنجاز المهمه.


ثم تركته وعادت الى مكتبها، فسألته زميلته عن سبب شرود ذهنه وعن تصرفاته الغريبة التي تلاحظها عليه منذ فترة طويلة،والحت عليه في السؤال، فقال لها تعلمين إنني تزوجت منذ اكثر من ست سنوات تقريبا ،وكانت  زوجتي قبل الزواج فتاة جميلة رشيقة مرحة ، وبها الكثير من الصفات التي يتمناها أي شاب في زوجة المستقبل،ولكن تغيرت تماما الى إمرأة أخرى غير تلك التي أرتبطت بها فبعد أنجاب اول أطفالنا أزداد وزنها بشكل منفر، وقلت ربما يكون الحمل هو السبب وحاولت أن ألفت أنتباهها كي تهتم بإستعاده رشاقة قوامها الا أنها لم تستجب.


وبعد انجاب الطفل الثاني أصبحت أكثر سمنة من ذي قبل،وأهملت جمالها ، وأصبحت ابغض عودتي الى المنزل لإنني أرى إمرأة أخري غير تلك المرأة التي أحببتها، فقد قارب وزنها من أوزان ابطال رفع الأثقال ، ولم تعد تستطع إرتداء الفساتين أو البناطيل، وأصبحت العباءة الواسعة غير محددة الملامح هي الرداء المفضل لها،وفي أعتقادي أنها ومنذ خمس سنوات تقريبا ربما لاتنظر الى نفسها في المرآه، لإنها لو كانت فعلت لكانت على الأقل صففت شعرها المنكوش دائما بشكل يثير الضحك أحيانا.


عاتبتها أكثر من مره وطلبت منها مرارا وتكرارا أن تهتم بنفسها، ودائما لا أجد منها سوى البكاء والوعود الكاذبة وبأنها ستفعل مايرضيني ، وتمر الأيام وتعود ريما لعادتها القديمة، لاشياكه ولا أهتمام بالقوام ولا شيء يذكرنا بها في الماضي الجميل.
صرت أحلم وأتمني عودتها لقديم عهدها من جمال يبهرني ويبهر كل من حولي ،لكنها لم تهتم بكلامي وتحذيراتي بل ولا تعي رسائلي المتتاليه لها.

لقد أستسلمت لبشاعتها ، وصرت أعود الى المنزل وأنا أبغض صورتها الجديدة وهي إمرأة في قوام شجرة الجميز، منكوشة الشعر، تنبعث منها روائح البصل والصلصة،وأذكرها من حين الى آخر بوصايا أمامة بنت الحارث لأبنتها أم إياس عندما تزوجت بألا تجعل زوجها لايشم منها الا أطيب الريح ، والا يرى منها مايكره ،فيكون ردها بالإيجاب دائما،وإنها ستحاول ولكن دون جدوى
والمشكلة إنني اخشى الله ولا أحب الوقوع في الخطأ وأنظر لزميلاتي والبنات من حولي وكيف أنهن يهتممن بأنفسهن وأشعر بالقرف والنفور منها،ولا أدري ماذا أفعل وأنا لا أرغب في الزواج من أخرى خوفا على أولادي الذين أرغب لهم نشأة سوية في ظل والدين متحابين والا يعانوا من التفكك الأسري.


هزت الزميلة رأسها وقالت له هناك حل أخر عليك أن تطلب تدخلا من أقاربها وليكن والديها مثلا وتعرض عليهم المشكلة، وعليها أن تعرف أنك تمنحها الإنذار الأخير وإذا لم ينصلح حالها ،أخبرهم إنك ستتزوج فربما كانت مطمأنة بأنك لن تفعل ذلك مطلقا، لكن إذا شعرت بأن هناك خطرا سيهدد بيتها بسبب أهمالها في نفسها ربما تعود ثانية لسابق عهدها وتهتم بنفسها خوفا من وجود إمرأة آخرى في حياة زوجها.

هز رأسه بالنفي مؤكدا أنه لن ينصلح حالها أبدا،وأردف ليتها تعود الأنثي التي أحببت.

إيمان قنديل

الجمعة، سبتمبر 21، 2012

المرارة وعروض الفقع مستمرة


                               
عندما يقول المصريون مرراتي أتفقعت،أو بلاش تفقع مرارتي،أو معنديش إلا مرارة واحده بلاش تفقعها،فهم محقون فيما يذكرونه،فتلك الجمل ماهي إلا تعبيرات بسيطة جدا تعبر عن حجم كارثي من الغيظ والكبت  والإكتئاب والقهر  في آن واحد،والمرارة هي ذلك الكيس الذي يخزن العصارة المرارية التي يفرزها الكبد لإستخدامها  لهضم الطعام وقت اللزوم،ورغم فائدتها إلا إنها قد تصبح مصدرا مزعجا وبؤرة ألم إذا تكونت بداخلها الحصوات التي لم يتوصل العلم حتى يومنا هذا لأي علاج لها سوى الإستئصال بالجراحة.
واعتقد إنني مثل باقي المصريين أتفقعت مرارتهم خلال سنوات طويلة عانينا فيها من أوضاع بلد يعاني من الترهل  والفساد في جميع المجالات،إلا إنني شخصيا زاد فقع مرارتي السياسي منذ قيام الثورة وحتى يومنا هذا من كثرة الجمع والميليونيات والإحتجاجات والمظاهرات الفئوية وعروض الفقع المستمرة حتى يومنا هذا .
وأثناء الكشف الطبي الدوري الذي أقوم به كل أربعة أشهر،أكتشف الإطباء وجود حصوات صغيرة جدا متحركة في المرارة،وقررت طبيبتي المعالجة إحتياجي إلى جراحة لإستئصال المرارة حتى لا تتسبب في مشاكل مستقبلية،وهكذا أيضا أجمع ثلاثة أطباء من أساتذة الجراحة،ثم أستقر رأيي على واحد منهم ليقوم بها وأخبرني أنه يفضل القصر العيني الفرنسي وكما قال يوجد به أحدث وأدق أجهزة مناظير في مصر.
وكلما أخبرت أحدا إنني سأقوم بإستئصال المرارة أجدهم يسخرون من العملية وبأنها بسيطة وأكتشفت أن تقريبا معظم الشعب المصري شايل مرارته.
قررت تأجيل الجراحة بعد الإنتهاء من شهر رمضان وختم القرآن وصيام الستة أيام البيض،حتى إذا توفاني الله ذهبت إلية مغفور لي بإذن الله،وذهبت إلى للجراح ليحدد لي اليوم المناسب، وتأجل الموعد مرتين بسبب عدم وجود غرف وكأن مصر كلها عايشه في القصر العيني الفرنساوي،ثم قرر أن يكون يوم الجمعة السابع من هذا الشهر الساعة التاسعة صباحا،وكان على أن أذهب يوم الخميس ليلا وأجلس في إستقبال الطواريء للمستشفى حتى تتم الإجراءات لحجز الغرفة والتي كان يتابعها زوجي.
جلست أكثر من 3 ساعات تقريبا في حالة من القلق والتوتر، ففي إستقبال الطواريء يمكنك أن ترى حالات لايمكن أن تتخيلها أو تتوقعها في حياتك،إناس بين الحياة والموت،صراخ وعويل،سيارات إسعاف يهرول منها المسعفين وهم يحملون أشخاص مصابون ربما في حوادث أو مشاجرات ودماء تسيل هنا وهناك،ورغم وجود افراد من الشرطة العسكرية يقودهم ضابط شرطة إلا أنه تم الإعتداء على الطبيب والممرضات بواسطة قريب أحد المرضى.
طال إنتظاري وفقدت أعصابي وقلت لزوجي أريد العودة إلى المنزل،وهو يهديء من روعي وأتصلت بالطبيب وشكوت له من هذا الروتين البغيض وكان يجب أن أكون بغرفتي ثم يتفاوضون مع زوجي على الغرفة والمرافق وغيرها لكنني الآن أشعر بأن ضغطتي مرتفع جدا فأنا لا أستطيع مواصلة رؤية فيلم الرعب الذي أتابعة عنوة في قسم الطواريء.
وأخيرا وبعد أن جفت الدماء في عروقي تمت إجراءات الدخول ،والتي عرفت فيما بعد أنها عرف متبع في جميع مستشفيات مصر(يعني موش كفاية إن المريض تعبان؟لأ ده كمان المستشفي بتخلص على بقيته) ،وإن مشكلتي إنني دائما أقارن بين مصر والإمارات التي عشت فيها أكثر من ربع قرن.
رحبت كثيرا بإجراء الجراحة في هذا المستشفي الذي ذاع صيته في بداية إفتتاحه  في منتصف التسعينات،وأنه رغم  إرتفاع أسعاره إلا أنه يضاهي المستشفيات العالمية، ولكن  الحقيقة أن هذا الصرح الضخم الذي يقال أنه يضم خيرة أطباء مصر يعاني من كثير من السلبيات التي تقلل من قيمته على الأقل بالنسبة لمريضة مثلي،فالمبني يخبر زائرية بأنه كان يوما مبنا ضخما لايقل أهمية عن أهم مستشفيات العالم ولكن اصابته الشيخوخة التي أستسلم لها رغم أنه بإمكانه أن يجدد ويطور نفسه.
أما التمريض ورغم أنهم كانوا يعاملونني بود إلا أن هناك حقيقة تشمل جميع هيئات التمريض في مستشفيات مصر،لايهتمون كثيرا بمتابعة المحاليل التي توضع للمريض وعليه أو من يرافقه أن ينتبه لذلك ويهرع اليهم لإيقافها بعد إنتهائها ،حتى إنني أصبت بتورم في يدي على إثر حقنة مضاد حيوي أخذتها خلال الكانيولا ولم تهتم الممرضة بمنحي أياها برفق ولين،والممرضات مثلهن مثل جميع ممرضات مستشفيات مصر والعاملين في المختبرات الطبية وكذلك الأطباء لا يرتدون القفازات البلاستيكية ولا أعرف لماذا؟وعندما أسأل أحدهم لماذا لاترتدي القفاز فهو حماية لك ولي يأتي الرد واحدا على لسان الجميع(أصل مابعرفش أمسك العرق)فيكون ردي وإشمعنى بره بيعرفوا يمسكوه بالجوانتي؟الحقيقة إجابة تفقع المرارة.
لم أستطع النوم وسهرت  حتى الصباح مع سهير صديقة الطفولة التي رافقتني بالغرفة، وفي الوقت المحدد زارني الطبيب وأخبرني إنهم سوف يقومون بتجهيزي الآن، وأرتديت ملابس الجراحةوغطاء للرأس،ونمت على السرير الذي سيقلني إلى غرفة العمليات،ثم ودعت أبنتي وزوجي وصديقتي،وبدأت في قراءة بعض أيات القرآن والدعاء والذكر وقرأت الشهادتين وسلمت نفسي لله سبحانة وتعالى.
أخبرت الدكتور الجراح هشام ابو عيشة أستاذ الجراحه العامة وجراحة المناظير في طب القصر العيني  إنني خائفة فربت على يدي وقال لي كل شيء سيسير بخير بإذن الله،ثم أتي طبيب التخدير ومعه ممرض وضع لي الكانيولا وبدأ الطبيب يسألني عن سني،وكنت أنظر لتلك الدائرة المعلقة في سقف الغرفة والتي تضاء أثناء إجراء الجراحة،فضحكت وقلت له (كل مره نفس الأسئلة لعلمك أنا دماغي مصفحه) فأعاد كلامي ثانية بصيغة السؤال؟ وطلب من الممرض زيادة جرعة البنج،فقلت له أحس الان بتخدير في ظهري،ودلوقتي في أيدي وفجأة لم أعد أرى الدائرة المعلقة في السقف.
وفجأة وجدت أمامي الجراح وزوجي وهما يقولان لي حمدا لله على السلامة،وبدأت اهلوس بكلام كثير أخبرني به زوجي فيما بعد ولكن كل ما أتذكره وقتها نوبة الضحك التي أنتابت الجراح،ثم توارى  الأثنان عن نظري،وأحسست بألم شديد في بطني فبدأت اصرخ ليمنحوني مسكن،ولم يهتم بي أحد ممن في الغرفة وسمعت الممرضات يضحكن ويتحدثن بصوت عالي عن العيد،فالتقطت الكلمة وبدأت في منادتهن(أنتي يا أختي أنت وهي يالي قاعدين تعملوا الكحك تعالوا أدوني حقنه مسكنه)فأتت أحداهن ووضعت على فمي شيئا وقالت لي أنه أكسجين ليساعدني على التنفس،فبدأت بالصراخ ثانية (أنت عايزه تموتيني حاطه لي حاجه تكتم نفسي مافيش اكسجين ولا حاجه ،شيلي اللي أنت حطاه ده،راحت شالته،بعدها حسيت أن نفسي راح فصرخت تاني حطي لي أكسجين، فقالت لي موش أنت قلتي موش عايزه؟،أنت موش محتاجه نفسك كويس أهو واشارت الى جهاز بجواري،وسمعتهن يضحكن وهن يرددن كلامي للدكتور (قال بتقول  للدكتور المستشفي موش عاجباها).
وكان  يجلس على يساري ممرض ملتحي، فناديت عليه وقلت له أنت ياعم يا أخوانجي أديني حقنه مسكنه،فلم يرد على وتركني،ثم أتت ممرضتان وممرض ملتحي لينقلاني على السرير الذي سينقلني إلى الغرفة وجذبني بعنف هذا المتلحي وهو يقول لي حمدا لله على السلامة،ومن شدة ألمي قلت له أنت بالذات ماتقوليش حمدا لله على السلامه فضحك ورد على وقال حاضر،وفكرت لثواني كيف سيكون حال شعر اللحي إذا وقع في بطن مريض مفتوح للجراحة،وحمدت ربنا إن جراحتي كانت بالمنظار.

عدت إلى غرفتي وأستقبلتني ابنتي بالبكاء،ووجدت صديقتي عمري الأثنتان في إنتظاري وزوجي،وعدد كبير من  أقاربي ،وبدأت رحلة المحاليل والدرنقة ،وما أن أستطعت أن أتمالك نفسي أمسكت بالموبيل أكتب لأصدقائي على الفيسبوك والذين طلبت منهم الدعاء ولم يقصر أحدا في مساندتي ودعمي على الوول وبالهاتف،عسي الله يمتعهم بالصحة والعافية .
بعد عودتي إلى المنزل أخبرتني أبنتي إنني أهلوس كثيرا بعد خروجي من غرفة العمليات وإنني أتابع الكلام دون توقف حتى أن أبيها قال لصديقاتي لاتردن عليها،فأنتبهت وكشرت عن أنيابي وقلت له:مايردوش علي ليه هو أنا مجنونه يعني؟
أدعو الله سبحانه وتعالي أن تكون أخر العمليات وأن يمتعكم جميعا بالصحة والعافية .